عقبة نيوز
موقع إعلامي يمني جنوبي، يُعنى بمختلف شؤون الواقع المحلي الجنوبي بوجه خاص، والشأن العربي والدولي عامة.

القضية الجنوبية وحرب الخمس سنوات “3-5”..!

بقلم/ د. حسن زيد بن يحيى

تشكيل الحراك الجنوبي..!

تراجع البيض ومجموعته عن الإندماج 1994م، أولاً.. إعتزل في عدن.. ثم أعلن عن جمهوريته في جنوب اليمن بشكل ارتجالي دون تخطيط أو مراجعة القوانين والأعراف الدولية المتبعة عادة في مثل هذه الأحوال.. لذلك سقطت جمهورية البيض بسرعة دون أي إعتراف دولي بها.. عين الرئيس صالح وزيراً جديداً للدفاع من العناصر الجنوبية التى نزحت من عدن بعد أحداث يناير 1986م، وهو عبدربه منصور هادي. وأوكل إليه مهمة قيادة الحرب القصيرة بين الشمال والجنوب 1994م، والتي كانت لحظة محورية في رواية الانفصاليين الجنوبيين.

وهي بالفعل محورية لأنها حرب بين قادة الوحدة اليمنية، بين الرئيس صالح ونائبه البيض.. هم فجروا الوضع في اليمن لإشباع نزعة ” الأنا ” و ”النرجسية” عند كل منهما لقوله تعالى ”ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون- البقرة 17” . وضاعت الوحدة التي هي مكسب وطني للجميع..!

الوحدة تتطلب من القادة أن تتوفر لديهم روح المسؤولية والتحلي بروح الوطنية والبحث عن طرق مختلفة في الحكم والتفكير في مظالم الجنوبيين والشماليين وفي إتخاذ سياسات تنموية وإعادة هيكلة الدولة بشكل حديث. ورفض نزعة ”الأنا” و”النرجسية” في تطوير دولة وطنية ديمقراطية تضمن المساواة في حقوق المواطنة لجميع مواطنيها دون تمييز. الوحدة في صالح جميع اليمنيين وجيرانهم والمجتمع الدولي بشكل عام. هذا يتطلب تمكين الجنوبيين من خلال منحهم مناصب عليا في الدولة، ودمجهم في الإقتصاد ومنحهم حصة عادلة من موارد أراضيهم. وكذا الأخوة في الشمال والوسط.

لسوء الحظ أن الرئيس صالح ونائبه البيض كانوا غير كفوئين لهذه المهمة التاريخية. بسبب غياب الأخلاق السياسية الصائبة عندهم، والحماس الوطني مات.. هذا جعلهم يخافون من أي كادر ذو أخلاق أو يمتلك رؤية واضحة. أضف إلى ذلك تقدمهم في العمر ومكوثهم لفترة طويلة في السلطة جعلهم يفقدون الإتصال بالواقع تماماً. هذا خلق فجوة بين مطالبهم الخاصة كأفراد وبين مطالب الأمة. لذا فقد حصروا ثقتهم على عدد قليل من الأفراد وهم من الأقارب أو الأصدقاء المقربون، الذين يفتقرون إلى المهارة والخبرة السياسية وجميعهم مشغولين فقط بجمع الثروة. لهذا أصبحوا عبئاً متزايداً على الدولة والشعب.

للأسف دفع الشعب اليمني شمالاً وجنوباً ثمن فشل القوى الانتهازية من عدن وصنعاء ، حيث كانت أحداث 1994م أحد ثمارها. أحداث 1994 محورية في تاريخ الشعب اليمني وهي علامة على رفض السطو والنهب والإحتلال وتتطلب الإنتقال من ”الوحدة الغير متكافئة بين الشمال والجنوب إلى وحدة عادلة تضمن حقوق الجميع.”

من مفارقات حرب عام 1994م، أنه كان الحوثيون “أنصار الله” تياراً غير معروف بالاسم، لكنه موجود عملياً كجزء من حزب الحق. كان الحوثيون هم الطرف الشمالي الوحيد الذي اُتهم بالانحياز نحو الجنوبيين أثناء الحرب ضد الرئيس صالح. قد وجهت إتهامات لمؤسس الجماعة الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رحمة الله عليه، الذي كان عضواً في البرلمان بدعم ” الإنفصال” . بصيغة أخرى فقد كان الحوثي متحالفاً مع الجنوبيين 1994م، في مقابل تحالف المؤتمر مع الإصلاح. لكن تبدلت التحالفات في الحرب الأخيرة 2015م ، تحالف الحوثيون مع الرئيس صالح والإصلاح مع هادي.

بعد حرب 1994م سيطر حزب الرئيس صالح على الحكم مع شراكة مؤقتة مع الإصلاح. أما الذين تحالفوا مع هادي فكانت من القوات الجنوبية التي نزحت إلى الشمال وهي التي شاركت في حرب 1986م وكان أغلبيتهم من أبين وشبوة. تولى هادي بعد الحرب منصب نائب الرئيس خلفاً للبيض. وتركت الحرب آثارها السياسية والنفسية على أبناء الجنوب، خصوصاً مع سياسات الإقصاء التي طالت قسماً من الكوادر العسكرية والأمنية والمدنية ذات الأصول الجنوبية “وأغلبهم من لحج و الضالع” من نظام صالح بعد استفراده في الحكم. لهذا مثل الإقصاء كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى ظهور ”الحراك الجنوبي” في عام 1997م. وفشل الرئيس صالح في إحتواء الحراك الجنوبي من خلال إتباع سياسة فرق تسد، كما فعل في الشمال إستخدام قبيلة ضد قبيلة أو فصيل ضد فصيل.

النظام الجنوبي السابق وفي مرحلة مبكرة قضى على النظام القبلي وفقد الشيوخ التقليديون تأثيرهم في المجتمع. على الرغم من أن هناك ولاءات لبعض المجموعات، لكن ظلت محصورة في بعض المناطق. وعلى العكس.. سلطة القبيلة هي الأقوى في الشمال، حيث سلطة الدولة تتأثر سلباً وإيجاباً بالنظام القبلي.

في ديسمبر 2001م في ”المنتدى العام لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية” في صنعاء في شهر رمضان اجتمعت مجموعة من كبار الشخصيات الجنوبية. كان من بينهم أعضاء في البرلمان اليمني، وقادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والقبائل ورجال الأعمال. خلال الإجتماع صاغ السيد على القفيش رسالة شكوى إلى الرئيس صالح تشكوا من المظالم التي يعاني منها الجنوبيين، وعبر علاقاته الخاصة تم تسليم الرسالة إلى مكتب الرئيس صالح، لكن لم تجد لها أذن صاغية.

أدرك كبار الشخصيات الجنوبية، بما في ذلك شيوخ القبائل، أن النداءات العامة لن تقنع النظام بالتغيير. التغيير يأتي من خلال المعارضة المنظمة. لكن الرئيس صالح رد فيما بعد على المعارضة الجنوبية بأن شدد من قبضته على السلطة وقمع كل المعارضين لحكمه مستخدماً القوة المفرطة. ومن حسن الحظ تزامن بدأ المعارضة الجنوبية المنظمة مع ظهور المعارضة الحوثية في الشمال، أضف إلى ذلك نمو روح العداء للولايات المتحدة بعد غزو العراق.

اتخذ الرئيس صالح خطوات غير مسبوقة قام بإعتقال الخطباء في المساجد، بما في ذلك المسجد الكبير في صنعاء القديمة. من أتباع منظمة ”الشباب المؤمن” للشيخ الحوثي ، في نفس الفترة اشتدت الانتفاضة المسلحة في محافظة صعدة ضد القوات المسلحة الحكومية. النجاح الذي حققه الحوثيون ضد قوات حكومة صالح خلق مناخ ثوري، ألهم الجنوبيين. نمت الإحتجاجات في الجنوب بشكل مطرد، في البداية خرجوا بالمئات في المظاهرات، ثم بالآلاف، وفي النهاية بعشرات الآلاف. وخوفاً من اتساعها قام النظام بإعتقال قادة الحراك منهم رئيس مجلس التنسيق للمتقاعدين العسكريين الجنوبيين ناصر على النوبة مع عدد قليل من زملائه.. أضف إلى ذلك اتخذ الرئيس صالح خطوات أكثر قسوة، دفعت الحراك إلى منعطف آخر. ظهرت هذه القسوة عشية الإحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر ضد الحكم البريطاني. خلال الإحتفال بهذه المناسبة قتلت قوات الأمن للرئيس صالح أربعة شبان في نفس الشوارع التي قتلت فيها قوات الإستعمار البريطاني سبعة يمنيين في 14 أكتوبر 1963م.

وكان هذا الحدث نقطة تحول للحراك الجنوبي،حيث إشتعلت بعدها جميع المحافظات الجنوبية غضباً، وخرجت مسيرات احتجاجية ضخمة مناهضة للحكومة، وكان الرئيس صالح عاجز عن إيقافها. بعدها حضر مئات الآلاف عند مراسيم دفن الشهداء الأربعة الذين قتلوا في أكتوبر. الشهر الذي بعده قتلت قوات الأمن اثنين من المتظاهرين في المسيرة الاحتجاجية المعارضة للنظام في عدن. وفي أقل من أربعة أشهر قتلت وجرحت القوات الحكومية عشرات الجنوبيين خلال احتجاجات شبابية في محافظتين جنوبيتين.

إستمر الرئيس صالح في استعباد واضطهاد أبناء الجنوب، لكن رغم الإضطهاد الذي مارسه نظام صنعاء ضد الجنوب والجنوبيين لم تتمكن قيادة الحراك الجنوبي في إيجاد لنفسها قيادة مركزية مستقرة. فقط استطاعت أن تنظم نفسها تحت قيادة فضفاضة لا مركزية ليس لديها أي برنامج تسمى نفسها ”الحراك الجنوبي”. وكل فصيل منهم يدعي أنه يمثل سكان الجنوب، وهذا غير صحيح، والذي يجمعهم فقط هو شعار الإنفصال عن الشمال. للأسف أن حكومة صنعاء لم تعطي أي إهتمام لهذا الشعار ”الإنفصال” ولا إلى الحركة الإحتجاجية. فقط تفكر كيف تقمع هذه الاحتجاجات لأبناء الجنوب. بدلاً من البحث عن حلول مرضية للمشكلات التي تسببت في ظهور هذه الإحتجاجات والمطالبة بالانفصال.

في يونيو 2009م ظهرت مبادرات من عناصر نخبوية من قيادة الحراك الجنوبي في خلق مؤسسات مركزية لتجمع حولها العناصر والهيئات المتعددة المشاركة في الاحتجاجات. اتفقت هذه القيادات على تشكيل مجلس يسمى ”مجلس قيادة الثورة السلمية للجنوب” . يتشكل من خمسة مسؤولين هم تحديداً:
– حسن باعوم من حضرموت..
– صالح الشنفرة من الضالع..
– ناصر النوبة من شبوة..
– الشيخ طارق الفضلي من أبين..
– يحيى سعيد من جامعة عدن..

لكن هناك جهات وشخصيات كثيرة ظهرت تنافس ”مجلس قيادة الثورة السلمية للجنوب” وتصور نفسها أنها من قيادة الحراك الجنوبي. هذا يرجح ويؤكد غيات جهة قيادية واحدة للحراك. وهذا يعطي انطباع أن الحراك مهلهل ويتسم بعدم التماسك الداخلي.

كاتب ومحلل سياسي يمني..!

قد يعجبك ايضا